في طفولتنا ظلت أبصارنا شاخصة أمام حدث كوني يرقبه العالم من بعيد كمن هو قريب، فكانت الوسيلة المتاحة آنذاك تلفزيون الأبيض والأسود من الحجم الصغير، والبث المباشر من محطة دولة الكويت. وكنا نتشاجر على عدم دقة الصورة وتشويشه حسب حركة الريح لجهاز الاستقبال.
أما الحدث فكان قصة هبوط أول إنسان على سطح القمر، أمام دهشة الملايين من البشر، كنا صغاراً ولم نكن ندرك الأهمية الفائقة لهذا الإنجاز، الذي هز عرش أميركا بيد تقنية الفضاء الروسية، التي صعقت العلماء قبل الساسة في عقر العقل الأميركي. كبرنا وكبرت معنا أحلام الإمارات، وتجاوزت مرحلة المستحيلات، لإحالتها إلى واقع مشاهد، ليس على سطح القمر، بل في قلب المريخ الذي تستغرق رحلة الوصول إليه قرابة سبعة عقود من عمر الإنسان، إذا ما استقل مركبة إلى هناك.
وضعت الإمارات حلم «مسبار الأمل» بيد أبرز مهندسي الوطن الشامخ لصناعة هذا الحلم بأيديهم، ومشاركة العالم في أحدث مشاريعه الكونية.
فقد انطلق هذا المسبار العام الماضي، لكي يصل إلى مدار المريخ في هذه الأيام التي تقترب فيها الدولة من عمرها الذهبي بجدارة البناء على الأرض، واختراق جدار الفضاء حيث ينصب المسبار فضل الوطن.
هذا الطموح الذي يغلفه الشموخ يواكب اهتمام القيادة الرشيدة والتزاماتها نحو المستقبل في جميع استحقاقاته، وبشارة للشعب الذي ينتظر وصول المسبار إلى تحقيق أهدافه العلمية، فهذه لحظات فارقة يرصدها لتاريخ كنقطة مضيئة للأجيال المقبلة. وصل المسبار إلى وجهته بنجاح يوم 9 فبراير، لتبدأ المهمة العلمية لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، فالمسبار سيقدم دراسات شاملة عن طبيعة المناخ في كوكب المريخ وطبقات غلافه الجوي. لقد كشف «جو بالكا» محرر العلوم في موقع الإذاعة الوطنية العامة الأميركية عن سبب انطلاق الرحلات الفضائية إلى المريخ والأهداف التي ذهبت من أجلها مهمة «مسبار الأمل» الإماراتي، و«تيانوين 1» الصيني و«المثابرة» الأميركي.
وقال «بالكا»: «إن مهمتي الإمارات والصين ستدخلهما ضمن مجموعة النخبة، حيث تمكنت فقط كل من أميركا وروسيا وأوروبا والهند من إرسال مهمات ناجحة إلى الكوكب الأحمر». مدعاة للفخر أن تكون الإمارات ضمن النخب العظمى في العالم، فالأمر ليس مجرد إنجاز نوعي، بل انطلاقة لبناء مرحلة مميزة في تاريخ العالم العربي. وسيقوم «مسبار الأمل» بمراقبة طقس المريخ، ودراسة الرابط بين التغير المناخي وفقدان الكوكب الأحمر لغلافه الجوي، الذي يعد أقل كثافة من غلاف الأرض بحوالي 100 مرة.
وقد وصف مدير عام «وكالة الفضاء الروسية» دولة الإمارات بأنها «قوة فضائية شابة ومشرقة، وإننا نرحب بوجود هذه القوة بين شركائنا الرئيسيين الأكثر ثقة».
أشار أحد التقارير إلى أنه في الوقت الذي يتجه فيه «مسبار الأمل» صوب المريخ، يتطلع العالم العربي إلى انتعاش المجال العلمي، فإن الإمارات استثمرت حوالي 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي في البحوث العلمية.
الإمارات تقدم مشروعاً رائداً خطوطه منسوجة من خيوط العلم، تستخرج من خلالها الطاقات والقدرات الخلاقة للشباب.
يقول سمو الشيخ حمدان بن محمد: «تعلمت من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن الرهان على الشباب يربح دائماً».
تمكنت الإمارات بسواعد أبنائها الانطلاق نحو آفاق الفضاء الشاسع والواسع في اختيار استكشاف المريخ خدمة لرفاهية البشر ورفعة للإنسانية. ونفتح صفحة كونية جديدة مع الفضاء الأكبر. وقد أورد معالي الدكتور أنور قرقاش فهرس تلك الصفحة المضيئة بقوله: «ما أجمل أن تكون الإمارات في مصاف الدول المستكشفة للفضاء والدول المشغلة للطاقة النووية السلمية، والدول الرائدة في الطاقة المستدامة. الطموح والتخطيط والعمل الدؤوب لتحقيق ذلك يكرس نموذجاً عربياً ناجحاً، ورسالة مشرقة إلى العالم».